Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدرس الأوكراني في فن التعامل مع ترمب

يكتب جون بولتون لـ"اندبندنت عربية" محذّراً مما قد يكون ترمب مستعداً للتنازل عنه لمجرد حصوله على الإطراء الشخصي والبهرجة

يرى بولتون أن بوتين يتلاعب بترمب لتحقيق هدفه بإحياء الامبراطورية الروسية (اندبندنت عربية)

ملخص

تربى معظم الأطفال الأميركيين على أن يكونوا أكثر أدباً ولياقة وتهذيباً مع ضيوفهم، لكن الدلالة الحقيقية لهذه المهزلة في المكتب البيضاوي لا تتعلق بمسألة آداب الضيافة، بل في العداء السافر الذي أظهره ترمب تجاه زيلينسكي، وهو ما يعكس تغير موقف الولايات المتحدة في الحرب الروسية - الأوكرانية، من دعم أوكرانيا إلى مساندة روسيا. ولا يوجد في التاريخ الأميركي الحديث ما يضاهي هذا التحول الجذري الذي أقدم عليه ترمب.

تجسد المواجهة الصادمة التي شهدها المكتب البيضاوي بين دونالد ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخلل العميق في نهج ترمب المختل تجاه السياسة الخارجية. وفي ما بدا وكأنه برنامج تلفزيوني كوميدي، وجه ترمب اتهامات بالجملة لزيلينسكي بدءاً من المجازفة بإشعال حرب عالمية ثالثة إلى استنزاف جميع أوراقه في الدفاع عن وطنه ضد الهجوم الروسي غير المبرر. ثم قام ترمب بطرد زيلينسكي من الجناح الغربي من دون دعوته إلى مأدبة الغداء.

تربى معظم الأطفال الأميركيين على أن يكونوا أكثر أدباً ولياقة وتهذيباً مع ضيوفهم، لكن الدلالة الحقيقية لهذه المهزلة في المكتب البيضاوي لا تتعلق بمسألة آداب الضيافة، بل في العداء السافر الذي أظهره ترمب تجاه زيلينسكي، وهو ما يعكس تغير موقف الولايات المتحدة في الحرب الروسية - الأوكرانية، من دعم أوكرانيا إلى مساندة روسيا. ولا يوجد في التاريخ الأميركي الحديث ما يضاهي هذا التحول الجذري الذي أقدم عليه ترمب.

ويزعم ترمب أن جل ما يسعى إليه هو السلام ووقف ما وصفه في خطابه عن حال الاتحاد بالحرب "العبثية" في قلب أوروبا، لكن طرفي الصراع (روسيا وأوكرانيا) لا تعدان هذه الحرب "عبثية" وإن كان ذلك لأسباب مختلفة تماماً، فالكرملين يخوضها بهدف إحياء الإمبراطورية الروسية، وهو هدف أعلنه بوتين منذ عام 2005، خلال وقت تدافع أوكرانيا فيه عن حريتها واستقلالها. وناضل الأميركيون يوماً ما من أجل الحرية والاستقلال، وبالتأكيد لم يعدوا ذلك أمراً "عبثياً".

إذاً، ما الذي يفسر إصرار ترمب على إنهاء الحرب بسرعة وتعاطفه الواضح مع موسكو؟

كثيراً ما قال ترمب إنه إذا كانت لديه علاقة شخصية جيدة مع زعيم أجنبي، فهذا يعني أن أميركا تربطها علاقات جيدة ببلاد ذلك الزعيم. والعكس صحيح، فإذا ساءت علاقته الشخصية بأحد القادة تدهورت العلاقات الأميركية مع دولته. ولا شك أن العلاقات الشخصية تلعب دوراً في الشؤون الدولية، لكنها ليست العامل الحاسم في قرارات الأمن القومي، لا سيما عند التعامل مع رجال أقوياء مثل فلاديمير بوتين في روسيا وشي جينبينغ في الصين وكيم جونغ أون في كوريا الشمالية. وهؤلاء القادة مستبدون باردو الأعصاب، يمتلكون رؤية واضحة لمصالحهم الوطنية ويسعون إلى تحقيقها بلا تردد.

يتبع ترمب استراتيجية تتمحور حول ذاته ويتخذ قراراته فيها لحظة بلحظة، لذلك  أكثروا من الإطراء الشخصي وأضيفوا إليه بعض الفخامة والبهرجة، وحينه من يدري ما الذي قد يكون ترمب مستعداً للتنازل عنه؟

وعلى العكس من ذلك، يسعى ترمب وراء مصلحته الشخصية، فهو يرى أن بوتين وشي وكيم أصدقاؤه، بل إنه ذهب إلى حد القول إنه وكيم "وقعا في الحب". وفي ما يخص أوكرانيا، يفسر هذا اعتناقه لموقف بوتين ومعاداته لزيلينسكي. فبالنسبة لترمب، هذه الحرب تمثل عبئاً سياسياً يربطه برئاسة بايدن، ويريد التخلص منه حتى تتحسن العلاقات بين موسكو وواشنطن، وهو خلال حملته الانتخابية لعام 2024 لم يكف عن التأكيد بأن الحرب لم تكن لتندلع لو كان رئيساً.

 

لكن ومن واقع ملاحظاتي، فإن بوتين بحكم تدريبه وخبرته في جهاز الاستخبارات السوفياتي "كي جي بي" لا يرى في ترمب صديقاً، بل يعده هدفاً سهلاً يمكن استغلاله لتحقيق مصالح موسكو. باختصار، يرى الكرملين في ترمب الوصف الذي أطلقه فلاديمير لينين ذات مرة وهو "الأحمق المفيد"، أي إنه يمكن استغلاله لخدمة غايات روسية دون أن يدرك ما يفعله. وفي إطار تلاعبه المستمر، أقر بوتين أخيراً أن الحرب في أوكرانيا ما كانت لتحدث لو كان ترمب رئيساً.

وواصل بوتين لعبته عبر إطلاق سراح مارك فولي المواطن الأميركي الذي كان محتجزاً في موسكو، وتلاه إفراج بيلاروس عن رهينة أميركية أخرى ثم مزيد من الخطوات المشابهة. ولا تزال هذه المناورة مستمرة، وتتجلى في قبول بوتين المشروط لوقف إطلاق النار الذي توسطت فيه السعودية بين واشنطن وكييف. وبوتين لا يريد المخاطرة بالتنازلات التي حصل عليها بالفعل من ترمب، لذا قبل وقف إطلاق النار من حيث المبدأ، لكنه حرص على تغليفه بشروط وتعديلات غامضة. وعلى رغم هذا الرد الملتبس، رحب ترمب به بحماسة ووصفه بأنه "جيد جداً". لوا شك أن الكرملين احتفل بنجاحه.

لكن ما الذي يريده ترمب حقاً؟ إنه يسعى إلى للفوز بجائزة نوبل للسلام. فبعد كل شيء، حصل باراك أوباما على نوبل عام 2009 دون سبب واضح، بعد أشهر فقط من توليه منصبه. وبموجب قواعد الجائزة، يجب تقديم الترشيحات بحلول الـ31 من يناير (كانون الثاني) من كل عام، مما يعني أن ترشيح أوباما كان لا بد أن يصل بعد 11 يوماً فقط من تنصيبه، مما جعل الجائزة تبدو مثيرة للسخرية. قد لا يدرك ترمب أنه فات الأوان بالفعل للفوز هذا العام، لكنه لا يزال يتوق إلى بريق المجد الزائل لجائزة نوبل.

اقرأ المزيد

والخطوة التالية المحتملة في شأن أوكرانيا هي إجراء محادثات مباشرة بين ترمب وبوتين، وهو ما يسعى إليه ترمب بوضوح خلال أقرب وقت ممكن. وبوتين بدوره يرغب في هذه المفاوضات المباشرة لأنها تتيح له فرصة التلاعب بترمب مباشرة، دون الحاجة إلى وسطاء. علاوة على ذلك، فإن هذه المحادثات بحكم طبيعتها ستستبعد أوكرانيا والأوروبيين من أي اتفاق جوهري، وهو أمر لن يزعج ترمب على الإطلاق. وعلى رغم أن نتيجة هذه المحادثات ليست محسومة بعد، فإن كل المؤشرات تدل على أن أي اتفاق سيصب في مصلحة موسكو بصورة كبيرة.

أما الدرس المستفاد بالنسبة للشرق الأوسط فيتمثل في السؤال التالي، كيف يمكن التعامل مع ترمب؟ فهو لا يتبع استراتيجية أميركية كبرى ولا يمارس لعبة شطرنج معقدة ثلاثية الأبعاد، بل ينتهج استراتيجية تتمحور حول ذاته ويتخذ قراراته فيها لحظة بلحظة، دون استراتيجية واضحة وعلى رقعة ذات بعدين فحسب. لذلك، ضعوا هذا في الاعتبار، أكثروا من الإطراء الشخصي وأضيفوا إليه بعض الفخامة والبهرجة، وحينها من يدري ما الذي قد يكون ترمب مستعداً للتنازل عنه؟

المزيد من آراء